منتديات جســــر الأصــــدقاء

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اهلا و مرحبا
بجميع الأعضاء و الزائرين
اتمنى لكم قضائ وقت مفيد

منتديات واحة الأصدقاء( http://www.taib.yesegy.com/taib/ )
منتديات جسر الأصدقاء( http://www.eltaib.v90.us/forum/)



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات جســــر الأصــــدقاء

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اهلا و مرحبا
بجميع الأعضاء و الزائرين
اتمنى لكم قضائ وقت مفيد

منتديات واحة الأصدقاء( http://www.taib.yesegy.com/taib/ )
منتديات جسر الأصدقاء( http://www.eltaib.v90.us/forum/)

منتديات جســــر الأصــــدقاء

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات جسر الأصدقاء ترحب بجميع الأصدقاء على الرابط التالى (http://www.eltaib.v90.us/forum/ )
منتديات واحة الأصدقاء ترحب بجميع الزائرين على الرابط التالى ( http://www.taib.yesegy.com/taib )

    من ديوان الشاعر عدنان الصائغ

    الرحيل
    الرحيل


    عدد المساهمات : 425
    تاريخ التسجيل : 01/06/2011

    من ديوان الشاعر عدنان الصائغ Empty من ديوان الشاعر عدنان الصائغ

    مُساهمة  الرحيل الخميس يونيو 16, 2011 11:48 pm

    أوراق من سيرة تأبط منفي



    (1)
    أتسكعُ تحتَ أضواءِ المصابيحِ
    وفي جيوبي عناوين مبللةٌ
    حانةٌ تطردني إلى حانةٍ
    وامرأةٌ تشهيني بأخرى
    أعضُّ النهودَ الطازجةَ
    أعضُّ الكتبَ
    أعضُّ الشوارعَ
    هذا الفمُ لا بدَّ أن يلتهمَ شيئاً
    هذه الشفاه لا بدَّ أن تنطبقَ على كأسٍ
    أو ثغرٍ
    أو حجر
    لمْ يجوعني الله ولا الحقولُ
    بل جوعتني الشعاراتُ
    والمناجلُ التي سبقتني إلى السنابلِ
    أخرجُ من ضوضائي إلى ضوضاءِ الأرصفةِ
    أنا ضجرٌ بما يكفي لأن أرمي حياتي
    لأيةِ عابرةِ سبيلٍ
    وأمضي طليقاً
    ضجراً من الذكرياتِ والأصدقاءِ والكآبةِ
    ضجراً أو يائساً
    كباخرةٍ مثقوبةٍ على الجرفِ
    لا تستطيعُ الإقلاعَ أو الغرق
    تشرين ثاني 1993 عدن
    *
    (2)
    كتبي تحتَ رأسي
    ويدي على مقبضِ الحقيبةِ
    السهول التي حلمنا بها لمْ تمنحنا سوى الوحولِ
    والكتب التي سطرناها لمْ تمنحنا سوى الفاقةِ والسياطِ
    أقدامي امحتْ من التسكعِ على أرصفةِ الورقِ
    وأغنياتي تكسّرتْ مع أقداحِ الباراتِ
    ودموعي معلّقةٌ كالفوانيسِ على نوافذِ السجونِ الضيقةِ
    أفردُ خيوطَ الحبرِ المتشابكةَ من كرةِ صوفِ رأسي
    وأنثرها في الشوارعِ
    سطراً سطراً،
    حتى تنتهي أوراقي
    وأنام
    آذار 1996 دمشق
    *
    (3)
    سأحزمُ حقائبي
    ودموعي
    وقصائدي
    وأرحلُ عن هذه البلادِ
    ولو زحفتُ بأسناني
    لا تطلقوا الدموعَ ورائي ولا الزغاريدَ
    أريد أن أذهبَ
    دون أن أرى من نوافذِ السفنِ والقطاراتِ
    مناديلكم الملوحةَ.
    أستروحُ الهواءَ في الأنفاقِ
    منكسراً أمامَ مرايا المحلاتِ
    كبطاقاتِ البريدِ التي لا تذهبُ لأحدٍ
    لنحمل قبورنَا وأطفالنَا
    لنحمل تأوهاتِنا وأحلامنَا ونمضي
    قبل أن يسرقَوها
    ويبيعوها لنا في الوطنِ: حقولاً من لافتاتٍ
    وفي المنافي: وطناً بالتقسيط
    هذه الأرضُ
    لمْ تعدْ تصلحُ لشيءٍ
    هذه الأرضُ
    كلما طفحتْ فيها مجاري الدمِ والنفطِ
    طفحَ الانتهازيون
    أرضنا التي نتقيَّأُها في الحانات
    ونتركها كاللذاتِ الخاسرةِ
    على أسرةِ القحابِ
    أرضنا التي ينتزعونها منا
    كالجلودِ والاعترافاتِ
    في غرفِ التحقيقِ
    ويلصقونها على اكفنا، لتصفّقَ
    أمامَ نوافذِ الحكامِ
    أيةُ بلادٍ هذه
    ومع ذلك
    ما أن نرحلَ عنها بضعَ خطواتٍ
    حتى نتكسرَ من الحنين
    على أولِ رصيفِ منفى يصادفنا
    ونهرعُ إلى صناديقِ البريدِ
    نحضنها ونبكي
    كانون ثاني 1996 الخرطوم
    *
    (4)
    حياتنا التي تشبه الضراط المتقطع في مرحاض عام
    حياتنا التي لمْ يؤرخها أحد
    حياتنا ناياتنا المبحوحةُ في الريحِ
    أو نشيجنا في العلبِ
    حياتنا المستهلكةُ في الأضابير
    والمشرورةُ فوق حبالِ غسيلِ الحروبِ
    ترى أين أوَّلي بها الآن
    حين تستيقظُ فجأةً
    في آخرةِ الليلِ
    وتظلُّ تعوي في شوارعِ العالم
    15/7/1999 ليلاً - قناة دوفر Dover بحر المانش
    *
    (5)
    أضعُ يدي على خريطةِ العالمِ
    وأحلمُ بالشوارعِ التي سأجوبها بقدمي الحافيتين
    والخصورِ التي سأطوقها بذراعي في الحدائقِ العامةِ
    والمكتباتِ التي سأستعيرُ منها الكتبَ ولن أعيدها
    والمخبرين الذين سأراوغهم من شارعٍ إلى شارعٍ
    منتشياً بالمطرِ والكركراتِ
    حتى أراهم فجأةً أمامي
    فأرفع إصبعي عن الخارطة خائفاً
    وأنامُ ممتلئاً بالقهر
    16/7/1999 حديقة الهايدبارك – لندن
    *
    (6)
    سأقذفُ جواربي إلى السماءِ
    تضامناً مع مَنْ لا يملكون الأحذيةَ
    وأمشي حافياً
    ألامسُ وحولَ الشوارعِ بباطنِ قدمي
    محدقاً في وجوهِ المتخمين وراءَ زجاجِ مكاتبهم
    آه..
    لو كانتِ الأمعاءُ البشريةُ من زجاجٍ
    لرأينا كمْ سرقوا من رغيفنا
    أيها الربُّ
    إذا لمْ تستطعْ أن تملأَ هذه المعدةَ الجرباءَ
    التي تصفرُ فيها الريحُ والديدانُ
    فلماذا خلقتَ لي هذه الأضراسَ النهمة
    وإذا لمْ تبرعمْ على سريري جسداً املوداً
    فلماذا خلقتَ لي ذراعين من كبريت
    وإذا لمْ تمنحني وطناً آمناً
    فلماذا خلقتَ لي هذه الأقدامَ الجوّابةَ
    وإذا كنتَ ضجراً من شكواي
    فلماذا خلقتَ لي هذا الفمَ المندلقَ بالصراخِ
    ليلَ نهار
    آب 1999 براغ
    *
    (7)
    أين يداكَ؟
    نسيتهما يلوحان للقطاراتِ الراحلةِ
    أين امرأتكَ؟
    اختلفنا في أولِ متجرٍ دخلناهُ
    أين وطنكَ؟
    ابتلعتهُ المجنـزرات
    أين سماؤكَ؟
    لا أراها لكثرةِ الدخانِ واللافتاتِ
    أين حريتكَ؟
    أنني لا أستطيعُ النطقَ بها من كثرةِ الارتجاف
    1996 مقهى الفينيق - عمان
    *
    (Cool
    دموعي سوداء
    من فرطِ ما شربتْ عيوني
    من المحابرِ والزنازين
    خطواتي قصيرة
    من طولِ ما تعثرتْ بين السطورِ بأسلاكِ الرقيب
    أمدُّ برأسي من الكتاب
    وأتطلعُ إلى ما خلفتُ ورائي
    من شوارع مزدحمةٍ
    ونهودٍ متأوهةٍ
    ورغباتٍ مورقةٍ في الأسرّةِ
    وأعجبُ كيف مرّتِ السنواتُ
    وأنا مشدودٌ بخيوطِ الكلماتِ إلى ورقة
    تموز 1993 مهرجان جرش- عمان
    *
    (9)
    لا شمعة في يدي ولا حنين
    فكيف أرسمُ قلبي
    لا سنبلة أمامَ فمي فكيفَ أصفُ رائحةَ الشبعِ
    لا عطور في سريري فكيف أستدلُّ على جسد المرأة
    لنستمع إلى غناءِ الملاحين
    قبل أن يقلعوا بأحلامهم إلى عرضِ البحرِ وينسونا
    لنستمع إلى حوارِ الأجسادِ
    قبل أن ينطفئَ لهاثها على الأرائك
    أنا القيثارةُ مَنْ يعزفني
    أنا الدموعُ مَنْ يبكيني
    أنا الكلماتُ مَنْ .. يرددني
    أنا الثورةُ مَنْ يشعلني
    تشرين ثاني1993 صنعاء
    *
    (10)
    أكتبُ ويدي على النافذة
    تمسحُ الدموعَ عن وجنةِ السماء
    أكتبُ وقلبي في الحقيبةِ يصغي لصفيرِ القطارات
    أكتبُ وأصابعي مشتتة على مناضدِ المقاهي ورفوفِ المكتبات
    أكتبُ وعنقي مشدودٌ منذ بدءِ التاريخِ
    إلى حبلِ مشنقةٍ
    أكتبُ وأنا أحملُ ممحاتي دائماً
    لأقلِّ طرقةِ بابٍ
    وأضحكُ على نفسي بمرارةٍ
    حين لا أجد أحداً
    سوى الريح
    1991 بغداد
    *
    (11)
    كيف لي
    أن أتخلّصَ من مخاوفي
    رباه
    وعيوني مسمرةٌ إلى بساطيلِ الشرطةِ
    لا إلى السماءِ
    وبطاقتي الشخصية معي
    وأنا في سريرِ النومِ
    خشيةَ أنْ يوقفني مخبرٌ في الأحلام
    24/7/1999 امستردام
    *
    (12)
    تحتَ سلالمِ أيامي المتآكلةِ
    أجلسُ أمام دواتي اليابسةِ
    أخططُ لمجرى قصيدتي أو حياتي
    ثم أديرُ وجهي باتجاهِ الشوارع
    ناسياً كلَّ شيءٍ
    أريدُ أن أهرعَ لأولِ عمودٍ أعانقهُ وأبكي
    أريدُ أن أتسكعَ تحتَ السحب العابرة
    حتى تغسل آثارَ دموعي
    أريد أن أغفو على أيِّ حجرٍ أو مصطبةٍ أو كتاب
    دونَ أن يدققَ في وجهي مخبرٌ
    أو متطفلةٌ عابرةٌ
    أعطوني شيئاً من الحريةِ
    لأغمس أصابعي فيها
    وألحسها كطفلٍ جائعٍ
    أنا شاعرٌ جوّاب
    يدي في جيوبي
    ووسادتي الأرصفة
    وطني القصيدة
    ودموعي تفهرسُ التأريخَ
    أشبخُ السنواتِ والطرقاتِ
    بعجالة مَنْ أضاعَ نصفَ عمرِهِ
    في خنادقِ الحروبِ الخاسرةِ والزنازين
    مَنْ يغطيني من البردِ واللهاثِ ولسعاتِ العيون
    وحيداً، أبتلعُ الضجرَ والوشلَ من الكؤوسِ المنسيّةِ على الطاولاتِ
    وأحتكُّ بأردافِ الفتياتِ الممتلئةِ في مواقفِ الباصاتِ
    لي المقاعدُ الفارغةُ
    والسفنُ التي لا ينتظرها أحد
    لا خبز لي ولا وطن ولا مزاج
    وفي الليل
    أخلعُ أصابعي
    وأدفنها تحتَ وسادتي
    خشيةَ أن أقطعها بأسناني
    واحدةً بعدَ واحدة
    من الجوعِ
    أو الندمِ
    تشرين أول1996 بيروت
    *
    (13)
    أيها القلبُ الضال
    يا مَنْ خرجتَ حافياً ذاتَ يومٍ
    مع المطرِ والسياطِ وأوراقِ الخريفِ
    ولمْ تعدْ لي
    سأبحثُ عنكَ
    في حقائبِ الفتياتِ اللامعةِ والمواخيرِ ومحطاتِ القطاراتِ
    حافياً أمرُّ في طرقاتِ طفولتي
    وعلى فمي تتراكمُ دموعُ الكتب والغبار
    أجمعُ بقايا الصحفِ والغيوم الحزينة وصور الممثلات العارية
    وأدلقُ وشلَ القناني الفارغةِ في جوفي
    أجمعُ أعقابَ السجائر المطلية بالأحمر
    وأظلُّ أحلمُ بما تركتهُ الشفاهُ الأنيقةُ من زفراتٍ
    القصائدُ تتعفنُ في جيوبي
    ولا أجد مَنْ ينشرها
    الدموعُ تتيبسُ على شفتي
    ولا أجد مَنْ يمسحها
    راكلاً حياتي بقدمي من شارعٍ إلى شارعٍ
    مثلما يركلُ الطفلُ كرتَهُ الصغيرةَ ضجراً منها
    وأنا...
    أتأملُ وجهي في المرايا المتعاكسة
    وأعجبُ
    كيف هرمتُ
    بهذه العجالة
    7/1/2000 أوسلو
    *
    (14)
    سأجلسُ على بابِ الوطنِ محدودبَ الظهرِ
    كأغنيةٍ حزينةٍ تنبعثُ من حقلٍ فارغٍ
    يغطيني الثلجُ وأوراقُ الشجرِ اليابسة
    أنظرُ إلى أسرابِ العائدين من منافيهم كالطيورِ المتعبةِ
    أمسحُ عن أجفانهم الثلوجَ والغربةَ
    إنهم يعودون...
    لكن مَنْ يعيد لهم ما ضيعوهُ
    من رملٍ وأحلامٍ وسنوات
    أقلعتُ في أولِ قطارٍ إلى المنفى
    وأنا أفكرُ بالعودة
    شاختْ سكةُ الحديدِ
    وتهرأتِ العجلاتُ
    وامحتْ ثيابي من الغسيلِ
    وأنا ما زلتُ مسافراً في الريحِ
    أتطايرُ بحنيني في قاراتِ العالم
    مثل أوراقِ الرسائلِ الممزقةِ
    دموعي مكسّرةٌ في الباراتِ
    وأصابعي ضائعةٌ على مناضدِ المقاهي
    تكتبُ رسائلَ الحنينِ
    لأصدقائي الذين لا أملكُ عناوينهم
    أنامُ على سطوحِ الشاحناتِ
    وعيوني المغرورقةُ باتجاهِ الوطنِ البعيد
    كطائرٍ لا يدري على أيِّ غصنٍ يحطُّ
    لكنني دون أن أتطلعَ من نافذةِ القطارِ العابرِ سهوب وطني
    أعرفُ ما يمرُّ بي
    من أنهارٍ
    وزنازين
    ونخيلٍ
    وقرى. أحفظها عن ظهرِ قلب
    سأرتمي، في أحضانِ أولِ كومةِ عشبٍ تلوحُ لي من حقولِ بلادي
    وأمرّغُ فمي بأوحالها وتوتها وشعاراتها الكاذبةِ
    لكنني
    لن أطرقَ البابَ يا أمي
    إنهم وراء الجدران ينـتظرونني بنصالهم اللامعة
    لا تنتظري رسائلي
    إنهم يفتشون بين الفوارز والنقاطِ عن كلِّ كلمةٍ أو نأمةٍ
    فاجلسي أمامَ النافذة
    واصغي في الليلِ إلى الريح
    ستسمعين نجوى روحي
    1998 مالمو
    *
    (15)
    خطوطُ يدي امحت من التشبّثِ بالريحِ والأسلاك
    ومن العاداتِ السرّيةِ
    مع نساء لا أعرفهن
    التقطتهنَّ بسنّارةِ أحلامي من الشارع
    وهذه الشروخ، التي ترينها ليستْ سطوراً
    بل آثار المساطر التي انهالتْ على كفي
    وهذه الندوب، عضات أصابعي
    من الندم والغضب والارتجاف
    فلا تبحثي عن طالعي في راحتي
    - ياسيدتي العرافة -
    ما دمتُ مرهوناً بهذا الشرقِ
    فمستقبلي في راحات الحكام
    20/3/1990 كورنيش النيل- القاهرة
    *
    (16)
    لا أعرفُ متى سأسقطُ على رصيفِ قصائدي
    مكوّماً بطلقةٍ
    أو مثقوباً من الجوعِ
    أو بطعنة صديق
    يمرُّ الحكامُ والأحزابُ والعاهراتُ
    ولا يد تعتُّ بياقتي وتنهضني من الركامِ
    لا عنق يستديرُ نحوي
    ليرى كيفَ يشخبُ دمي كساقيةٍ على الرصيفِ
    لا مشيعين يحملونني متأففين إلى المقبرة
    الأقدامُ تدوسني أو تعبرني
    وتمضي
    الفتياتُ يشحنَ بأنظارهن
    وهن يمضغن سندويشاتهن ونكاتهن المدرسية البذيئة
    ومئذنةُ الجامعِ الكبير
    تصاعدُ تسابيحها - ليلَ نهار -
    دون أن تلتفت لجعيري
    …….
    لا أعرفُ على أيِّ رصيفِ منفى
    ستسّاقطُ أقدامي ورموشي من الانتظار
    لا أعرفُ أيَّ أظافرٍ نتنةٍ ستمتدُ إلى جيوبي
    وتسلبني قصائدي
    ومحبرتي وأحلامي
    في وضحِ النهار
    لا أعرفُ على أيِّ سريرِ فندقٍ أو مستشفى
    سأستيقظ
    لأجد وسادتي خاليةً...
    ودموعي باردةً
    ووطني بعيد
    لا أعرفُ في أيِّ منعطفِ جملةٍ أو وردةٍ
    سيسدد أحدهم طعنتَهُ المرتبكةَ العميقةَ
    إلى ظهري
    من أجلِ قصيدةٍ كتبتها ذاتَ يومٍ
    أشتمُ فيها الطغاة والطراطير
    ومع ذلك سأواصلُ طوافي وقهقهاتي وشتائمي
    عابراً وليس لي غير الأرصفةِ والسعالِ الطويلِ
    ليس لي غير الحبرِ والسلالمِ والأمطارِ
    سائراً مثلَ جندي وحيدٍ
    يجرُّ بين الأنقاضِ حياتَهُ الجريحةَ
    لا أريدُ أوسمةً ولا طبولاً ولا جرائدَ
    أريدُ أن أضعَ جبيني الساخنَ
    على طينِ أنهارِ بلادي
    وأموت حالماً كالأشجار




    لوليو



    أسرّحُ طرفي
    السماءُ التي أثلجتْ
    لوّحتْ لي، وغامتْ وراءَ الصنوبرِ
    مالي وهذا الصنوبرُ مُدّثرٌ بالعصافيرِ والقبلاتِ السريعةِ
    مالي وتلك البناتُ يدخّن أسرارَهن وراءَ النوافذِ
    مالي وهذي البلادُ التي لمْ يعكرْ فضاءاتها مدفعٌ منذ قرنين
    مالي
    وهذي السماءُ التي أثلجتْ
    أو ستصحو …
    …………….
    ………..
    مالي
    ولا أرض لي
    غير هذي الخطى
    لكأنَّ الحنين يقصّرها أو يسارعها
    وأنا أتشاغلُ بالواجهاتِ المضيئةِ
    عما يشاغلني
    ………
    أقول لقلبي إلى أين؟
    هم خربوا وطني
    وتباكوا علي
    المفارز عند الحدودِ البعيدةِ
    ترنو لوجهي المشطّبِ بالسرفاتِ
    تدققُ منذ الصباحِ باسمي وتقذفني
    لكأن بلادي ممهورة بالدموع التي تتساقط سهواً
    لكأن المخافر تفترُّ بي
    لكأني وحيد بزنزانتي آخرَ البار
    أكرعُ ما ظلَّ لي جرعةً واحدة
    وأغيبُ…
    رويداً، رويداً
    ………..
    …..
    ليس لي غير هذي الثلوج تظلّلُ نافذتي والشجرْ
    كلما سألتني الفتاةُ اللصيقةُ عن وجهتي
    اشتبكَ الغيمُ فوق مدامعنا وأنهمرْ










    يوليسيس



    على جسرِ مالمو
    رأيتُ الفراتَ يمدُّ يديهِ
    ويأخذني
    قلتُ أينَ
    ولمْ أكملِ الحلمَ
    حتى رأيتُ جيوشَ أمية
    من كلِ صوبٍ تطوقني
    وداعاً لنافذةٍ في بلادِ الخراب
    وداعاً لسعفٍ تجردُهُ الطائراتُ من الخضرةِ الداكنةْ
    وداعاً لتنورِ أمي
    وداعاً لتاريخنا المتآكلِ فوق الروازين
    وداعاً لما سوفَ نتركهُ في اليدين
    وداعاً
    نغادرهُ الوطنَ المرَّ،
    لكنْ إلى أين؟
    كلُّ المنافي أمرّ …
    ...........
    النخيلُ الذي ظلّلتني طوالعُهُ
    لمْ يعدْ منه غير بقايا تصاوير شاحبةٍ
    ومصاطب فارغةٍ
    وجذوع مشانق ترنو لأعناقنا الحالمةْ
    والفراتُ الذي عمدتني مواجعُهُ
    لمْ يزلْ سادراً بأنينِ القرى الهائمةْ
    آه.. عوليس
    ليتكَ لمْ تصلِ الآنَ
    ليتَ الطريق إلى Malmo كانَ أبعدَ
    أبعدَ
    أبعدَ
    أبعد
    ……………
    ………
    أيهذا الغريبُ الذي لمْ يجدْ لحظةً مبهجهْ
    كيف تغدو المنافي سجوناً بلا أسيجةْ





    العبور الي المنفي




    أنينُ القطارِ يثيرُ شجنَ الأنفاقْ
    هادراً على سكةِ الذكرياتِ الطويلة
    وأنا مسمّرٌ إلى النافذةِ
    بنصفِ قلب
    تاركاً نصفَهَ الآخرَ على الطاولة
    يلعبُ البوكرَ مع فتاةٍ حسيرةِ الفخذين
    تسألني بألمٍ وذهول
    لماذا أصابعي متهرئة
    كخشب التوابيت المستهلكة
    وعجولة كأنها تخشى ألاّ تمسك شيئاً
    فأحدّثها عن الوطن
    واللافتات
    والاستعمار
    وأمجاد الأمة
    والمضاجعاتِ الأولى في المراحيض
    فتميلُ بشعرها النثيث على دموعي ولا تفهم
    وفي الركنِ الآخرِ
    ينثرُ موزارت توقيعاتِهِ على السهوبِ
    المغطاة بالثلج...
    وطني حزينٌ أكثر مما يجب
    وأغنياتي جامحةٌ وشرسة وخجولة
    سأتمددُ على أولِ رصيفٍ أراه في أوربا
    رافعاً ساقيَّ أمام المارة
    لأريهم فلقات المدارس والمعتقلات
    التي أوصلتني إلى هنا
    ليس ما أحمله في جيوبي جواز سفر
    وإنما تأريخ قهر
    حيث خمسون عاماً ونحن نجترُّ العلفَ
    والخطابات....
    .. وسجائر اللفِّ
    حيث نقف أمام المشانق
    نتطلعُ إلى جثثنا الملولحة
    ونصفقُ للحكّام
    .. خوفاً على ملفات أهلنا المحفوظةِ في أقبية الأمن
    حيث الوطن
    يبدأ من خطاب الرئيس
    .. وينتهي بخطاب الرئيس
    مروراً بشوارع الرئيس، وأغاني الرئيس، ومتاحف الرئيس، ومكارم الرئيس ، وأشجار الرئيس ، ومعامل الرئيس، وصحف الرئيس، وإسطبل الرئيس، وغيوم الرئيس، ومعسكرات الرئيس، وتماثيل الرئيس، وأفران الرئيس، وأنواط الرئيس، ومحظيات الرئيس، ومدارس الرئيس، ومزارع الرئيس، وطقس
    ستحدّق طويلاً
    في عينيّ المبتلتين بالمطر والبصاق
    وتسألني من أي بلادٍ أنا...




    أنا وهولاكو



    قادني الحراسُ إلى هولاكو
    كان متربعاً على عرشِهِ الضخمِ
    وبين يديهِ حشدٌ من الوزراءِ والشعراءِ والجواري
    سألني لماذا لمْ تمدحني
    ارتجفتُ مرتبكاً هلعاً: يا سيدي أنا شاعرُ قصيدةِ نثر
    أبتسمَ واثقاً مهيباً:
    لا يهمكَ ذلك..
    ثم أشارَ لسيافِهِ الأسودِ ضاحكاً:
    علمْهُ إذاً كيف يكتبُ شعراً عمودياً بشطرِ رأسِهِ
    إلى شطرٍ وعجزٍ
    وإياكَ أن تخلَّ بالوزنِ
    وإياكَ من الزحافِ والعللِ
    امسكني السيافُ من ياقتي المرتجفةِ،
    وهوى بسيفِهِ الضخمِ
    على عنقي
    فتدحرجَ رأسي،
    واصطدم بالنافذةِ التي انفتحتْ من هولِ الصدمةِ.
    فاستيقظتُ هلعاً يابس الحلق، لأرى عنقي مبللاً بالعرق، وكتابَ الطبري ما زالَ جاثماً على صدري، وقد اندعكت أوراقه تحت سنابكِ خيولِ هولاكو التي كانت تنهب الممالك والقلاع، وأمامي وشيشُ التلفزيونِ الذي انتهى بَثُّهُ بنهايةِ خطابِ الرئيسِ الطويلِ
    قفزتُ مرعوباً
    رأيت فراشي ملطخاً بدمِ الكتبِ التي جرفها نهرُ دجلة، ممتزجاً بالطمي والجهشات
    حاولتُ أن أجمعَ شطري رأسي اللذَين التصقا بجانبي التلفزيون
    وأصبحا أشبه بسماعتين يبثُّانِ الوشيشَ نفسَهَ.
    في الصباحِ…….
    على غيرِ العادةِ ،لم اقرأ نعيي في الجريدةِ ،
    ولمْ تقفْ سيارةُ الحرسِ أمامَ البيتِ وعليها جنازتي
    ولمْ أعرفْ تفاصيلَ ما حدثَ
    ذلك لأنَّ هولاكو ضجرَ من الوشيشِ
    فقامَ بنفسِهِ وأطفأَ التلفزيونَ
    وعادَ إلى كتابِ الطبريِّ ثانيةً،
    مبتسماً واثقاً مهيباً ،
    بعد أن رفسني بخصيتي
    لأنني نمتُ
    قبل أن أكملَ بقيةَ سيرتِهِ





    الظل الثاني


    وقفتُ أمام البنايةِ
    مرتبكاً
    يتعقبني ظلُّه من وراء الجريدةِ
    لفَّ معي الطرقاتِ
    وقاسمني مطعماً في ضواحي المدينةِ
    والباصَ
    والمكتباتِ اللصيقةَ
    حتى انتهينا إلى دورةٍ للمياهِ
    وقاسمتهُ هلعي في القصيدةِ، منكمشاً
    أتحسسُّ طياتها من خلالِ التصاقِ القميصِ بنبضي الذي يتسارعُ
    والعجلات التي تتسارعُ
    والقبلات التي تتسارعُ خلف الغصون
    تحسسَ - حين استدارَ - انتفاخَ مؤخرةِ البنطلونِ
    فأبصرتُ فوهةً تترصدني……
    ………
    ولم نفترقْ
    قاطعتنا الشوارعُ
    لم نفترقْ
    قاطعتنا أغاني المقاهي التي سيحطُّ الذبابُ على لحنها ويطيرُ إلى الشاي، سيدةٌ بالثيابِ القصيرةِ تهبطُ من سلّمِ الباصِ تقرصها النظراتُ المريبةُ من فخذيها.. فتجفلُ، موجُ الزحامِ الذي يتلاطمُ فوق ضفافِ المحلاتِ منحسراً أخرَ الشهرِ نحو البيوتِ التي ستجففُ أيامَ
    النوافيرُ…
    ساحةُ بيروت…
    لمْ نفترقْ…
    ………
    دلفتُ إلى البارِ
    كان ورائي
    يمد مخالبَهَ في ظلالي وكانَ الوطنْ
    على بعدِ منفى وكوبٍ من الشاي
    يقرأُ في صحفِ اليوم آخرَ أخبارِهِ
    نافثاً في الزجاجِ المضبّبِ دخانَ سيجارةِ اللفِّ
    يبصقُ..
    [ .. حين أصافحهُ، سيمدُّ يداً بترتها الشظايا، يشيرُ... (لصورةِ جلادهِ ساخراً تتربعُ أعلى الجريدةِ مزدانةً بالنياشينِ ـ كمْ نفختهُ الجرائدُ ـ يتبعهُ الدبقُ، الحشدُ والكامراتُ) .. أشيرُ إلى المطرِ المتساقطِ من غيمِ أجفانِهِ وهو يرنو لجوعِ شوارعهِ والعماراتِ
    تمصُّ دماه وتعلو…]
    .. يرى الحافلاتِ التي تتدافعُ
    والخطوات التي تـتـ....
    .. إلى أين يلهثُ هذا القطيعُ ؟
    احتسيتُ ـ على قلقٍ ـ نصفَ كوبي
    فبادلني النظراتِ
    التفتُّ
    رأيت الذي كان يرقبني
    قابعاً خلف نظارتيهِ وظهري
    يقرّبُ أذنيهِ من طرفِ الطاولةْ
    نحنُ لمْ نتبادلْ سوى جملٍ نصف مبتورةٍ
    فماذا يسجّلُ فأرُ الحكومةِ في أذنِ صاحبِهِ
    ويُهيّيءُ- خلفَ التقاريرِ والمعطفِ الجلدِ - طلقتَهَ القاتلةْ





    نصوص رأس السنه


    (1)
    يسقطُ الثلجُ
    على قلبي
    في شوارعِ رأسِ السنةِ
    وأنا وحدي
    محاط بكلِّ الذين غابوا
    *
    (2)
    كلَّ عامٍ
    الأذرعُ تتعانقُ
    وأنا أحدّقُ
    عبرَ نافذةِ المنفى
    إلى وطني
    كعصفورٍ يرمي نظرتَهُ الشريدةَ
    إلى الربيعِ
    من وراءِ قضبانِ قفصِهِ
    *
    (3)
    كلَّ عامٍ
    يقفُ بابا نوئيل
    على بابِ الوطنِ
    ويدقُّ
    يدقُّ
    لا أحد
    الآباءُ بكّروا إلى مساطرِ الحرب
    الأمهاتُ هرمنَ في القدورِ الفارغةِ
    الجنرالاتُ ذهبوا إلى الإذاعةِ
    يلقون الخطبَ والتهنئات
    والأطفالُ يئسوا
    فناموا قرب براميلِ القمامةِ
    يحلمون بهدايا
    تليقُ بطفولاتهم المؤجلة



    بيادق



    بيدقني السلطانْ
    جندياً في حربٍ لا أفقهها
    لأدافعَ عن رقعةِ شطرنجٍ - لا أدري -
    أم وطنٍ أمْ حلبةْ
    ولهذا أعلنتُ العصيانْ
    لكنَّ الجندَ الخصيانْ
    قادوني معصوبَ العينين إلى الخشبةْ
    وأداروا نحوي فوْهاتِ بنادقهم
    فصرختُ: قفوا
    ستُجرّونَ على هذي الرقعة،
    كبشاً كبشاً
    كي تعلو - فوق سلالمِ أشلائِكمُ – التيجانْ





    الي ....



    الذي كان لي صاحباً قبل أن نفترقْ
    في شجون القصيدةْ
    والذي ظلَّ في الظلِّ منكمشاً
    خوف ضوء النهارِ ونأي الطرقْ
    ومضيتُ إلى الشمسِ
    ما همّني أحترقْ
    أو أهيم بسْحبِ الأماني البعيدةْ
    الذي كان لي صاحباً..
    لم يعدْ همُّهُ
    غير أن يتعقبني في الدروب كظلِّي
    ويشتمني في الجريدةْ

























      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 11:47 pm