ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ
وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ
وتبدرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ
وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام
وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ
ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ
رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ
وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ
سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء
ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ
أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى
أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى
وَكُنْتَ لاَ تَعْرِفُ الظَّلامْ
فَأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّيَاجِي
وغامَ من فوقِك الغمامْ
وَعِشْتَ في وَحْشَة ٍ، تقاسي
خواطراً، كلّها ضرامْ
وغربة ٍ، ما بها رفيقٌ
وظلمة ٍ، ما لها ختام
تشقُّ تِيهَ الوجودِ فرداً
قد عضّك الفَقْرُ والسُّقَامْ
وطاردتْ نفسَك المآسي
وفرَّ من قلبِك السّلامْ
هوِّنْ عَلى قلبك المعنَّى
إنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ النُّجُومْ
ولا ترى الغابَ، وهْو يلغو
وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ
ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي
وَحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيم
فكلُّنا بائسٌ، جَديرٌ
برأفة ِ الخالقِ العَظيمْ
وكلُّنا في الحياة أعمى
يَسُوقه زَعْزَعٌ عَقِيمْ
وحوله تَزْعَقُ المَنَايا
كأنَّها جِنَّة ُ الجَحِيمْ:
يا صاح! إن الحياة قفرٌ
مروِّعٌ، ماؤهُ سرابْ
لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاّ
عَواطفَ الشَّوكِ والتُّرابْ
وأسعدُ النّاس فيه أعمى
لا يبصرُ الهولَ والمُصابْ
ولا يرى أنفس البرايا
تَذُوب في وقْدَة ِ العَذَابْ
فاحمدْ إله الحياة ، وافنعْ
فيها بألْحَانِكَ العِذابْ
وعِشْ، كما شاءَتِ الليالي
من آهَة ِ النَّاي والرَّبَابْ
أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً
أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً
فأهوي على الجذوعِ بفأسي!
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا يالَتْ
تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي
ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي
كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي
فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إن ضجَّتْ
فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْ
أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور،
وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ
حواليكَ دون مسّ وجسِ...
في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي
وأترعتُها بخمرة ِ نفسي...
ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ
رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي!
فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي،
وكفكفتُ من شعوري وحسّي
ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي
باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي...
ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ
ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ
ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً
وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي
لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي
في صميم الغابات أدفنُ بؤسي
ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت
بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي
سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي،
وأُفضي لها بأشواق نَفْسي
فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري
أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُ حِسِّ
ثم أقْضي هناك، في ظلمة الليل،
وأُلقي إلى الوجود بيأسي
ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو،
تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي
وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي
ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس
وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ،
كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي
أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ،
لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ..!
أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها
فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ
أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ،كبَّلتْها
ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ..
والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي
في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي
هكذا قال شاعرٌ، ناولَ النَّاسَ
رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ
فأشاحُوا عنْها، ومرُّوا غِضابا
واستخفُّوا به، وقالوا بيأس:
"قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ
فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ
طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ
ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي
طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ
ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس»
طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي،
وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ»
إنه ساحرٌ، تعلِّمُه السحرَ
الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ
فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ
إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ»
«أطردوه، ولا تُصيخوا إليه
فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ
هَكَذا قَال شاعرٌ، فيلسوفٌ،
عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ
جَهِلَ الناسُ روحَه، وأغانيها
فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ
فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ
وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ
هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ،
ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ
وبعيداً، هناك..، في معبد الغاب
الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ
في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ، والزّيتونِ
يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ
في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير،
ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي
نافخاً نايَه، حوالْيه تهتزُّ
ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ
شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبه الرّيحُ
على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ
والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه
وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّ جنسِ
وترا عند الأصيل، لدى الجدول،
يرنو للطَّائرِ المتحسِّي
أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أو يرنو
إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي
فإذا أقْبَلَ الظلامُ، وأمستْ
ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي
كان في كوخه الجميل، مقيماً
يَسْألُ الكونَ في خشوعٍ وَهَمْسِ
عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ؟
وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي؟
وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ
ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي
وهزيمِ الرِّياح، في كلِّ فَجٍّ
وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ
وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها
سُكونُ الفَضا، وأيَّان تُمْسي؟؟
هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني
حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ
يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ
تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي!
يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا
نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ!
يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون
حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُ قُدسِ
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ
لِ،! ياهيكلَ الحَياة ِ الرَّهيبِ!
فِيكَ تَجْثُو عرائسُ الأَمَلِ العذْ
بِ، تُصلَّي بصَوتِها المحبوبَ
فَيُثيرُ النَّشِيدُ ذكرى حياة ٍ
حَجَبَتها غيومُ دَهر كَئيبِ
وَتَرُفُّ الشُّجونُ مِنْ حول قلبي
بسُكُونٍ، وَهَيْبَة ٍ، وَقُطُوبِ
أنتَ ياليلُ! ذرَّة ٌ، صعدت للكونِ،
من موطئ الجحيمِ الغَضوبِ
أيُّها الليلُ! أنت نَغْمٌ شَجِيُّ
في شفاهِ الدُّهورِ، بين النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكُونِ، التي ترتجّ
في صدرك الرّكود، الرحيب
تُسْمِعُ النَّفْسَ، في هدوء الأماني
رنة َ الحقَّ، والجمال الخلوبِ
فَتَصوغُ القلوبُ، منها أَغَارِيداً،
تَهُزُّ الحياة َ هَزَّ الخُطُوبِ
تتلوّى الحياة ُ، مِنْ أَلَم البؤْ
فتبكي، بلوعوٍ ونحيبِ
وَعَلى مَسْمَعيكَ، تَنْهلُّ نوحاً
وعويلاً مُراً، شجون القلوبِ
فأرى بُرقعاً شفيفاً، من الأو
جاع، يُلقي عليك شجوَ الكئيبِ
وأرى في السُّكون أجنحة الجبَّـ
ـارِ، مخلصة ً بدمعِ القُلوبِ
فَلَكَ اللَّهُ! مِنْ فؤادٍ رَحيمٍ
ولكَ الله! من فؤادٍ كئيب
يهجع الكونُ، في مابيبة ِ العصفور
طفلاً، بصدركَ الغربيب
وبأحضانك الرحيمة ِ يستيقظُ، في
نضرة الضَّحُوكِ، الطَّرُوبِ
شَادياً، كالطُّيوبِ بالأَملِ العَذْ
بِ، جميلاً، كَبَهْجَة ِ الشُّؤْبُوبِ
ياظلام الحياة !يا روعة الحزنِ!
وَيَا مِعْزَفَ التَّعِيس الغَرِيبِ
فَيكَ تنمُو زَنَابِقُ الحُلُمِ العذْ
بِ، وتذوِي لدَى لهيبِ الخُطوبِ
أَمْ قُلُوبٌ مُحِطَّاتٌ عَلَى سَا
بُ ظِلالُ الدُّهورِ، ذَاتَ قُطوبِ
صَاحِ! إنَّ الحياة َ أنشودة ُ الحُزْ
نِ، فرتِّلْ عَلَى الحياة ِ نَحِيبي
إنَّ كأسَ الحياة ِ مُتْرَعَة ٌ بالذَّمْـ
ـعِ، فاسْكُبْ على الصَّبَاحِ حَبيبي
إنّ وادِي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ
لِ، فما أبعد ابتسام القلوبِ!
لا يُغرّنَّك ابتسامُ بني الأر
ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهِيبِ
أنتَ تدري أنَّ الحياة َ قطو
بٌ وَخُطُوبٌ، فَما حَيَاة ُ القُطُوبِ؟
إنّ في غيبة ِ الليالي، تِباعاً
لخَطيبٌ يمرُّ إثر خطوبِ
سَدَّدَتْ في سكينة ِ الكونِ، للأعما
قِ، نفْسي لخطأ بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرة ٌ مَزَّقَتْ شِغَافَ اللَّيا
لي فرأتْ مهجة َ الظْلام الهيوبِ
ورأتْ في صميمِها، لوعة َ الحزْ
نِ، وأَصْغَتْ إلى صُراخِ القُلُوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ، إنّي
قد خبرتُ الحياة َ خُبرَ لبيبِ
فتبرمتُ بالسّكينة والضجّـ
ـة ، بل فد كرهتُ فيها نصيبي...
كنْ كما شاءَت السماءُ كئيباً
أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأَريبِ؟
أنفوسٌ تموتُ، شاخِصَة ً بالهو
لِ، في ظلمة ِ القُنوطِ العَصيبِ؟
حلِ لُجِّ الأَسَى
بموْجِ الخُطوبِ؟
إنما النّاسُ في الحياة طيورٌ
قد رَمَاهَا القَضَا بِوادٍ رَهِيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جَوَانبه السو
دِ فيقْضي على صَدَى العندليبِ
قَدْ سَألتُ الحياة َ عَنْ نغمة ِ الفَجْـ
ـرِ، وَعَنْ وَجْمة المساءِ القَطُوبِ
فسمعتُ الحياة َ، في هيكلِ الأحزا
نِ، تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ:
مَا سُكوتُ السَّماءِ إلا وُجُومٌ
مَا نشيدُ الصَّبَاحِ غيرُ نحيبِ
لَيْسَ في الدَّهْرِ طَائرٌ يتغنّى
في ضِفَافِ الحياة ِ غَيْرَ كَئيبِ
خضَّبَ الإكتئابُ أجنحة َ الأيّا
مِ، بِالدَّمْعِ، والدَّم المَسْكُوب
وَعَجيبٌ أنْ يفرحَ النّاسُ في كَهْـ
ـفِ اللَّيالي، بِحُزْنِهَا المَشْبُوبِ!»
كنتُ أَرْنو إلى الحياة ِ بِلَحْظٍ
باسمٍ، والرّجاءُ دونَ لغوبِ
ذَاكَ عَهْدٌ حَسِبْتُهُ بَسْمَة َ الـ
ـفَجْر، ولكنَّه شُعاع الغُروبِ
ذَاكَ عَهْدٌ، كَأَنَّه رَنَّة ُ الأفرا
ح، تَنْسَابُ منْ فَمِ العَنْدَليبِ
خُفِّفَتْ ـ رَيْثَما أَصَخْتُ لَهَا بالقَلْـ
ـبِ، حيناً ـ وَبُدِّلَتْ بَنَحيبِ
إن خمر الحياة وردية ُ اللونِ
ولكنَّها سِمامُ القُلوبِ
جرفتْ من قرارة ِ القلبِ أحْلا
مي، إلى اللَّحْدَ، جَائِراتُ الخُطُوبِ
فَتَلاشَتْ عَلَى تُخُومِ الليالي
وتهاوَت إلى الجحيم الغضوبِ
وسوى في دُجنّة النّفس، ومضٌ
لم يزل بين جيئَة ٍ، وذُهوبِ
ذكرياتٌ تميسُ في ظلمة ُ النَّفـ
ـسِ، ضئالاً كرائعاتِ المشيبِ
يَا لِقَلْبٍ تَجَرّعَ اللَّوعة َ المُرَّ
ة َ منْ جدولِ الزَّمانِ الرَّهيبِ!
وَمَضَتْ في صَمِيمِهِ شُعْلَة ُ الحُزْ
ن، فَعَشَّتْهُ مِنْ شُعَاعِ اللَّهيبِ..
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي
وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي
وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي
وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي
أيها الحب أنت سرُّ وُجودي
وحياته ، وعِزَّتي، وإبائي
وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري
وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي
يَا سُلافَ الفُؤَادِ! يا سُمَّ نَفْسي
في حَيَاتي يَا شِدَّتي! يَا رَخَائي!
ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ
ـطغى ، أم أنتَ نورُ السَّماءِ؟
أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ
نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ
ـبُّ حنانَيْكَ بي! وهوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْري! يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي:
مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ؟
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ
ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ
وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ
وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ
ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ
وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ
ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ
ترفرفُ منْ حولعنّ القُبَلْ
فأعبُدُ فيكِ جمالَ السّماء،
ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ
وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج
مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ
أراكِ، فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً
كأنّيَ لم أَبْلُ حربَ الوجودْ
ولم أحتمِلْ فيه عِبثاً، ثقيلاً
من الذِّكْريَاتِ التي لا تَبيدْ
وأضغاثِ أيّاميَ، الغابراتِ
وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ
ويْغْمُرُ روحِي ضياءٌ، رفيقٌ
تُكَلّلهُ رَائعاتُ الورودْ
وتُسْمُعُني هَاتِهِ الكَائِنَاتُ
رقيقَ الأغاني، وحُلْوَ النشيدْ
وترقصُ حولِي أمانٍ، طِرابٌ
وأفراحُ عُمْرِ خَلِيٍّ، سَعيدْ
كأنِّيَ أصبَحْتُ فوقَ البَشَرْ
وتهتزُّ مثْلَ اهتزازِ الوتَرْ
فتخطو أناشيدُ قلبيَ، سكْرَى
تغرِّدُ، تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ
أوَدُّ بروحي عناقَ الوجودِ
بما فيه من أنفسٍ، أو شجرْ
وليلٍ يفرُّ، وفجرٍ يكرُّ
وغَيْمٍ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ
أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً
أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً
ولا بدَّ أنْ يأتي على أُسِّهِ الهَدْمُ
فيصبحَ ما قد شيدَّ الله، والورى
خراباً، كأنَّ الكلُّ في أمسهِ وهمُ!
فقل لي: ما جّدوى َ الحياة ِ وكربِها،
وتلك التي تزوي، وتلك التي تنمو؟
«وفوْجٍ، تغذِّيه الحياة ُ لِبَانَها،
وفوجٍ، يُرى تَحْتَ التُّرابِ لَهُ رَدْمُ؟
وعقلٍ من الأضواء، في رأس نابغ
وعقلٍ من الظّلماء، يحملهُ فدمُ؟
وأفئدة حسرَ، تذوب كآبة
وأفئدة ٍ، سكرى ، يِرفُّ لها النّجمُ؟
لِتعْسِ الوَرى ، شاءَ الإلهُ وجودَهم
فكانَ لَهُمْ جهلٌ، وكانَ لَهُمْ فهمُ!!
أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ
أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ
تُحَطِّمُهَا مِثْلَ الغُصُونِ المَصَائِبُ
سألتُ الدَّياجي عن أماني شبيبَتي
فَقَالَتْ: «تَرَامَتْهَا الرِّياحُ الجَوَائِبُ»
وَلَمَّا سَأَلْتُ الرِّيحَ عَنْها أَجَابَنِي:
"تلقَّفها سَيْلُ القَضا، والنَّوائبُ
فصارَت عغفاءً، واضمحلَّت كذرَّة ٍ
عَلى الشَّاطِىء المَحْمُومِ، وَالمَوْجُ صَاخِبُ»
أَتَفنى ابتساماتُ تَلك الجفونِ؟
أَتَفنى ابتساماتُ تَلك الجفونِ؟
ويخبو توهُّجُ تلكَ الخدودْ
وتذوي وُرَيْداتُ تلك الشِّفاهِ؟
وتهوِي إلى التُّرْبِ تلكَ النُّهودْ؟
وينهدُّ ذاك القوامُ الرَّشيقُ
وينحلُّ صَدْرٌ، بديعٌ، وَجِيدْ
وتربدُّ تلكَ الوحوهُ الصًّباحُ
وكلٌّ ـ إذا ما سألنا الحياة ـ
ويغبرُّ فرعٌ كجنْحِ الظَّلامِ
أنيقُ الغدائر، جعدٌ، مديدْ
ويُصبحُ في ظُلُماتِ القبورِ
هباءً، حقيراً، وتُرْباً، زهيدْ
وينجابُ سِحْرُ الغَرامِ القويِّ
وسُكرُ الشَّبابِ، الغريرِ، السّعيدْ
أتُطوَى سماواتُ هذا الوجودِ؟
ويذهبُ هذا الفَضاءُ البعيدْ؟
وتَهلِكُ تلكَ النُّجومُ القُدامى؟
ويهرمُ هذا الزّمانُ العَهيدْ؟
ويقضِي صَباحُ الحياة ِ البديعُ؟
وليلُ الوجودِ، الرّهيبُ، العَتيدْ؟
وشمسٌ توشِّي رداءَ الغمامِ؟
وبدرٌ يضيءُ، وغَيمٌ يجودْ؟
وضوءٌ، يُرَصِّع موجَ الغديرِ؟
وسِحْرٌ، يطرِّزُ تلكَ البُرودْ؟
جليلاً، رهيباً، غريباً، وَحيدْ
يضجُّ، ويدوي دويَّ الرّعودْ؟
وريحٌ، تمرُّ مرورَ المَلاكِ،
وتخطو إلى الغاب خَطَوَ الوليدْ؟
وعاصفة ٌ من بناتِ الجحيم،
كأنَّ صداها زئير الأسودْ
تَعجُّ، فَتَدْوِي حنايا الجبال
وتمشي، فتهوي صُخورُ النُّجودْ؟
وطيرٌ، تغنِّي خِلالَ الغُصونِ،
وتهتف ُللفجر بين الورود؟
وزهرٌ، ينمِّقُ تلك التلال
وَيَنْهَل من كلِّ ضَوءٍ جَدِيدْ؟
ويعبَقُ منه أريجُ الغَرامِ
ونفحُ الشباب، الحَييّ، السعيد
أيسطو على الكُلِّ ليلُ الفَناءِ
ليلهُو بها الموتُ خَلْفَ الوجودْ..
وَيَنْثُرَهَا في الفراغِ المُخِيفِ
كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شَرود
فينضبُ يمُّ الحياة ِ، الخضيمُّ
ويَخمدُ روحُ الربيع، الولود
فلا يلثمُ النُّورُ سِحْرَ الخُدودِ
ولا تُنبِتُ الأرضُ غضَّ الورود
كبيرٌ على النَّفسِ هذا العَفَاءُ!
وصعبٌ على القلب هذا الهموذ!
وماذا على الَقدَر المستمرِّ
لو استمرَأَ الّناسُ طعمَ الخلود
ولم يُخْفَروا بالخرابِ المحيط
ولم يفُجعَوا في الحبيبِ الودود
ولم يَسلكوا للخلمودِ المرجَّى
سبيلَ الرّدى ، وظَلامَ اللّحودْ
فَدَامَ الشَّبابُ، وَسِحْرُ الغرامِ،
وفنُّ الربيعِ، ولطفُ الورُودْ
وعاش الورى في سَلامٍ، أمينٍ
وعيشٍ، غضيرٍ، رخيٍّ، رَغيد؟
ولكنْ هو القَدَرُ المستبدُّ
يَلَذُّ له نوْحُنا، كالنّشيد