قصائد للشاعر الفلسطيني سميح القاسم
غرباء
و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
***
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
***
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟!
أشدُّ من الماء حزناً
تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسة
أشدُّ من الماء حزناً
وأعتى من الريح توقاً إلى لحظة ناعسة
وحيداً. ومزدحما بالملايين
خلف شبابيكها الدامسة
*
تغرٌبت منك. لتمكث في الأرض.
أنت ستمكث
لم ينفع الناس.. لم تنفع الأرض
لكن ستمكث أنت
ولا شيء في الأرض، لاشيء فيها سواك
وما ظل من شظف الوقت
بعد انحسار مواسمها البائسة
السلام
ليُغنّيِ غيري للسلامْ
ليُغنّيِ غيري للصداقة، للأخوّةِ، للوئامْ
ليُغنّيِ غيري.. للغراب
جذلانَ ينعقُ بين أبياتي الخراب
للبوم.. في أنقاضِ أبراجِ الحمام !
ليُغنِّي غيري للسلام
و سنابلي في الحقل تجهشُ بالحنين
للنورج المعبود يمنحها الخلود من الفناء
لصدى أغاني الحاصدين
لِحُداء راعٍ في السفوح
يحكي إلى عنزاته.. عن حّبّه الخَفِرِ الطموح
و عيونهِا السوداء.. و القدِّ المليح
***
ليُغنِّي غيري للسلام
و العينُ ما عادت تبلُّ صدى شُجيرات العنب
و فروعُ زيتوناتها.. صارت حطب
لمواقد اللاهين.. يا ويلي.. حطب!
و سياجُنا المهدودُ أوحشهُ صهيل الخيل في الطِّفلِ المهيب
و الُجرن يشكو الهجرَ.. و الإبريقُ يحلم بالضيوف
بال (( يا هلا )) ! .. عند الغروب
و رؤى البراويز المُغَبَّرةِ الحطيمه
تبكي على أطرافها، نُتفٌ من الصور القديمة
و حقائبُ الأطفال... أشلاءٌ يتيمة
لبثت لدى أنقاض مدرسةٍ مهدّمةٍ حزينة
ما زال في أنحائها.. ما زال يهزاُ بالسكينة
رَجعٌ من الدرس الأخير
عن المحبة و السلام !!
***
ليُغنِّي غيري للسلام
و هناك.. خلف حواجز الأسلاك.. في قلب الظلام
جثمت مدائن من خيام
سُكّانُها..
مستوطنات الحزن و الحمّى، و سلّ الذكريات
و هناك.. تنطفئ الحياة
في ناسِنا..
في أبرياء.. لم يسيئوا للحياة !
و هنا... !
هَمَت بيّارةٌ من خلقهم.. خيراً كثير
أجدادهم غرسوا لهم..
و لغيرهم، يا حسرتي، الخير الكثير
و لهم من الميراث أحزان السنين !
فليشبع الأيتام من فضلات مأدبة اللئام !!
***
ليُغنِّي غيري للسلام..
و على ربى وطني، و في وديانه.. قُتِل السلام ؟
أطفال سنة 1948
كَوَمٌ من السمك المقدّد في الأزقة . في الزوايا
تلهو بما ترك التتار الانكليز من البقايا
أُنبوبةٌ.. و حطام طائرةٍ.. و ناقلةٌ هشيمه
و مدافع محروقة.. و ثياب جنديٍّ قديمه
و قنابل مشلولة.. و قنابل صارت شظايا
***
يا إخوتي السمر العراة.. و يا روايتيَ الأليمة
غنّوا طويلاً و ارقصوا بين الكوارث و الخطايا
لم يقرئوا عن (( دنُ كشوت )) و عن خرافات القتال
و يجنّدون كتائباً تُفني كتائب في الخيال
فرسانها في الجوع تزحف.. و العصيُّ لها بنادق
و تشدّ للجبناء، في أغصان ليمونٍ، مشانق
و الشاربون من الدماء لهم وسامات الرجال
***
يا إخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمة
و اليتم.. و الرؤيا العقيمة
فلنجنِ من غرسِ الجهالة و الخيانة و الجريمة
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
***
يا إخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض رايه
يا إخوتي المتشرّدين و يا قصيدتيَ الشقية
ما زال عند الطيّبين، من الرثاء لنا بقيّه
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الرواية !
لأننا ..
أحسُّ أننا نموت
لأننا..لا نتقن النّضال
لأننا نَعيد دون كيشوت
لأننا... لهفي على الرجال!
:
أمطار الدم
النار فاكهة الشتاءْ
و يروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
و يحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
و يعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
و الله.. و الرسل الكرامِ.. و أولياءٍ صالحين
و يهزُّ من حين لحين
في النار.. جذع السنديان و جذعَ زيتون عتيق
و يضيف بنّاً للأباريق النحاس
و يُهيلُ حَبَّ الهَيْلِ في حذر كريم
الله.. ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء !
لكن.. و يُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
و تقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
و تَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
و يطقطق المزراب.. ثمّ تصيح زوجته الحبيبة
قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
و يقوم نحو الحوش.. لكن !!
-قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
و يروح يفرك مقلتيه
-يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
و تلولبت خطواته.. و مع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى..
يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم..
دهم اليهود بيوتكم..
أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
فالشمس كتلة ظلمة .. و القمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
و يا فتحاً تكلل بالظفر !
لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
و شقيقتي.. و بنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
ليثرثر المذياع (( في خير )) و يختلق (( السلام ))
من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع و الملاهي
في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
لطفك يا إلهي !
و تصيح عند الباب زوجته الحبيبه
-قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
و يصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
***
و يجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
و تدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
-لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد و الحزن المسمّم
فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله و الأيتام و الجرح المضرّم
هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
و البعلُ.. و العزّى تُحطّم
***
و تُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
و يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
-قولي أعوذُ.. تكلّمي !
ما لون.. ما- لون المطر ؟
-. . . . .
ويلاه.. من لون المطر
غرباء
و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
***
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
***
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟!
أشدُّ من الماء حزناً
تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسة
أشدُّ من الماء حزناً
وأعتى من الريح توقاً إلى لحظة ناعسة
وحيداً. ومزدحما بالملايين
خلف شبابيكها الدامسة
*
تغرٌبت منك. لتمكث في الأرض.
أنت ستمكث
لم ينفع الناس.. لم تنفع الأرض
لكن ستمكث أنت
ولا شيء في الأرض، لاشيء فيها سواك
وما ظل من شظف الوقت
بعد انحسار مواسمها البائسة
السلام
ليُغنّيِ غيري للسلامْ
ليُغنّيِ غيري للصداقة، للأخوّةِ، للوئامْ
ليُغنّيِ غيري.. للغراب
جذلانَ ينعقُ بين أبياتي الخراب
للبوم.. في أنقاضِ أبراجِ الحمام !
ليُغنِّي غيري للسلام
و سنابلي في الحقل تجهشُ بالحنين
للنورج المعبود يمنحها الخلود من الفناء
لصدى أغاني الحاصدين
لِحُداء راعٍ في السفوح
يحكي إلى عنزاته.. عن حّبّه الخَفِرِ الطموح
و عيونهِا السوداء.. و القدِّ المليح
***
ليُغنِّي غيري للسلام
و العينُ ما عادت تبلُّ صدى شُجيرات العنب
و فروعُ زيتوناتها.. صارت حطب
لمواقد اللاهين.. يا ويلي.. حطب!
و سياجُنا المهدودُ أوحشهُ صهيل الخيل في الطِّفلِ المهيب
و الُجرن يشكو الهجرَ.. و الإبريقُ يحلم بالضيوف
بال (( يا هلا )) ! .. عند الغروب
و رؤى البراويز المُغَبَّرةِ الحطيمه
تبكي على أطرافها، نُتفٌ من الصور القديمة
و حقائبُ الأطفال... أشلاءٌ يتيمة
لبثت لدى أنقاض مدرسةٍ مهدّمةٍ حزينة
ما زال في أنحائها.. ما زال يهزاُ بالسكينة
رَجعٌ من الدرس الأخير
عن المحبة و السلام !!
***
ليُغنِّي غيري للسلام
و هناك.. خلف حواجز الأسلاك.. في قلب الظلام
جثمت مدائن من خيام
سُكّانُها..
مستوطنات الحزن و الحمّى، و سلّ الذكريات
و هناك.. تنطفئ الحياة
في ناسِنا..
في أبرياء.. لم يسيئوا للحياة !
و هنا... !
هَمَت بيّارةٌ من خلقهم.. خيراً كثير
أجدادهم غرسوا لهم..
و لغيرهم، يا حسرتي، الخير الكثير
و لهم من الميراث أحزان السنين !
فليشبع الأيتام من فضلات مأدبة اللئام !!
***
ليُغنِّي غيري للسلام..
و على ربى وطني، و في وديانه.. قُتِل السلام ؟
أطفال سنة 1948
كَوَمٌ من السمك المقدّد في الأزقة . في الزوايا
تلهو بما ترك التتار الانكليز من البقايا
أُنبوبةٌ.. و حطام طائرةٍ.. و ناقلةٌ هشيمه
و مدافع محروقة.. و ثياب جنديٍّ قديمه
و قنابل مشلولة.. و قنابل صارت شظايا
***
يا إخوتي السمر العراة.. و يا روايتيَ الأليمة
غنّوا طويلاً و ارقصوا بين الكوارث و الخطايا
لم يقرئوا عن (( دنُ كشوت )) و عن خرافات القتال
و يجنّدون كتائباً تُفني كتائب في الخيال
فرسانها في الجوع تزحف.. و العصيُّ لها بنادق
و تشدّ للجبناء، في أغصان ليمونٍ، مشانق
و الشاربون من الدماء لهم وسامات الرجال
***
يا إخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمة
و اليتم.. و الرؤيا العقيمة
فلنجنِ من غرسِ الجهالة و الخيانة و الجريمة
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
***
يا إخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض رايه
يا إخوتي المتشرّدين و يا قصيدتيَ الشقية
ما زال عند الطيّبين، من الرثاء لنا بقيّه
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الرواية !
لأننا ..
أحسُّ أننا نموت
لأننا..لا نتقن النّضال
لأننا نَعيد دون كيشوت
لأننا... لهفي على الرجال!
:
أمطار الدم
النار فاكهة الشتاءْ
و يروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
و يحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
و يعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
و الله.. و الرسل الكرامِ.. و أولياءٍ صالحين
و يهزُّ من حين لحين
في النار.. جذع السنديان و جذعَ زيتون عتيق
و يضيف بنّاً للأباريق النحاس
و يُهيلُ حَبَّ الهَيْلِ في حذر كريم
الله.. ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء !
لكن.. و يُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
و تقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
و تَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
و يطقطق المزراب.. ثمّ تصيح زوجته الحبيبة
قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
و يقوم نحو الحوش.. لكن !!
-قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
و يروح يفرك مقلتيه
-يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
و تلولبت خطواته.. و مع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى..
يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم..
دهم اليهود بيوتكم..
أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
فالشمس كتلة ظلمة .. و القمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
و يا فتحاً تكلل بالظفر !
لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
و شقيقتي.. و بنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
ليثرثر المذياع (( في خير )) و يختلق (( السلام ))
من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع و الملاهي
في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
لطفك يا إلهي !
و تصيح عند الباب زوجته الحبيبه
-قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
و يصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
***
و يجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
و تدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
-لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد و الحزن المسمّم
فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله و الأيتام و الجرح المضرّم
هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
و البعلُ.. و العزّى تُحطّم
***
و تُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
و يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
-قولي أعوذُ.. تكلّمي !
ما لون.. ما- لون المطر ؟
-. . . . .
ويلاه.. من لون المطر